عامين من العمادة *

 
مدخل : بعض اللحظات الفاصلة في حياتنا تحدث بيننا و بين أنفسنا ، لا يدري عنها أحد .. و لا يعلم قيمتها أحد .. 
لذلك يجب أن ندونها و لو كان ذلك في غرفة مظلمة و بعقلٍ شبه واعيٍ و بلغة ركيكة .. 
المهم أنها لحظة فاصلة بالنسبة لنا و ساذجة بالنسبة لغيرنا .. فلتدون .. 
 
 
قلبي يلهث .. عيناي بالكاد مفتوحتان .. رغم أن اليوم ما كان يوم كبدٍ و لا عمل ، لا ألهث هروبًا من كبير قوي و لا من مصاب جلل .. ألهث شوقًا و رهبة و رغبة للقاء فتيات بالكاد يصل طولهم إلى نصفي .. صغار ، ورديات ، طريات و ينادونني معلمة ، عمدة ، ابلة .. المهم انهم يرون فيني شيئًا طويلاً يفترض ان يعرف كل شيء و إما يحبونه حبًا جمًا و إما يكرهونه كرهًا لمًا .. 
تفاصيل الغد كلها تدور في رأسي ، أتخيلها اصواتهم ، تنانيرهم ، غضبهم ، و لا أريد من الغد شيئًا إلا أن نكسبهم و نضحكهم و يدلنا الله كيف ندخل إلى قلوبهم كيف نأدي الأمانة و ندلهم .. 
لكني لا أريد أن ادخل الى عالم الصغار و أنا لم ادون السنتين الماضيتين مع الكبار ! بدأت مع صف خامس .. كانوا خجولات ، صامتات و أقرب ما يكونون إلى المراهقة و رغبة ممارسة الشخصية الغامضة .. أول الأيام كانت جهادًا .. لا أحد في المركز احبهم ، بدأت مع شهد في الفصل الأول ثم الثاني مع فاطمة .. الفصل الأول لا أذكر تفاصيله .. الفصل الثاني تعرفت على الفتيات أكثر ، أحببتهم و كان نظام سراج ذلك الفصل يقتضي ان تكون الفترة الثانية دورات فكنت اعطيهم دورة الإنجليزي .. استمتعت بها و في الحقيقة تملكني شعورٌ زائفٌ بالتفوق .. 
لكنني استمتعت مع الفتيات جدًا و لازلت اذكرهم جيدًا يا رب احفظ قلوبهم و احرسها اينما كانوا .. 
السنة اللي تليها كانت مختلفة .. صرن صديقاتي ! اصبحن أكبر و أقرب و صار بيننا ألفة أحببتهم من كل قلبي ، أحببت كل تفاصيلهم ، حتى أني كنت اثور في داخلي إن علق احدٌ في المركز عليهن بما لا أحب ، بما لا أراه فيهم عيبًا ..  أحبهم ، و أحب بدايات ظهور البثور على وجوههم ، و أحب أسألتهم الخجلا ، و تعليقاتهم المباغتة ، حتى برودهم و هدوئهم أحبه .. أحب رند أحب ميثاق أحب ريم ، رزان ، أريج ، ندى ، طرفة أحبهم كلهم كلهم .. و أحببتهم أكثر في الفصل الأخير .. الموضوع الذي كان عن القدس حماسي و حماسهم و حماس ربا .. حماستنا التي التئمت و كونت فصلاً جميلاً و عمرًا لن أنساه  و الفصل الذي سبقه سُمينا فيه بحي القائدات ، قدتهم مع سارة العذبة .. صحيحٌ أننا لم نفز طوال السنتين بأي مسابقة رغم انهم كانوا في كل مرة يظنون الفوز حليفهم و أنا أظن لكنه لم يكن و لازال في قلبي كيف تركتهم يخرجون من سراج دون ان يلتذوا بالفوز و لو لذة قصيرة ؟! 
 
لكنني والله فزت .. فزت بهم .. و الله لا أكذب و لا أبالغ عندما أقول انهم اضافوا لعمري عمرًا أخرًا ! عمرًا باهتماماتٍ جديدة ، باسلوب و معلومات و نظرة للحياة و امتنان .. امتنان عميق .. اه يا الله لا أدري كم مرة قلت أني أحبهم يا الله أنا أحبك يا منان يا كريم يا من رزقتني اياهم ورزقتني هذا العمر الجميل دون أن أسألك يا الله لا أحصي ثناءًا عليك ، لا أحصي حمدًا يا كريم يا منان لك الحمد لك الحمد ..
يا الله استودعتك اياهم فاحفظهم و خذ بأيديهم ..
 
 
*سراج مدينة ، و الصف فيه يُدعى حيًا ، و معلمة الحي تُدعى عمدة : )
الأربعاء ، 1,59 صباحًا . 29 / 9 /2011

كالفتحة فوق الواو

يشبهاننا .. لا يئتلفان ، ليس نحويًا .. لكن شعوريًا ..

أنا واوٌ و قلبي مضمومٌ و لا يمكن أن أستقيم ألفًا و أنتَ فتحةٌ و عقلك ممدودٌ و لا يمكن أن تستدير سكونًا ..

ستظل كل ظهيرة عند ذات الميعاد العسكري الذي لا يتأخر و لا يتقدم تحشر جسدك بين الفراش و الغطاء المشدود الأطراف جيدًا بينما ألقي بنفسي على أريكة و أحلم أني أركب فيلاً يسير بي داخل لوحة زيتية ملونة .. ملونة لتلك الدرجة التي تصيبك بالنفور .. لا بأس .. لا يجب أن تحب الألوان من أجلي اعتدت على البني .. فقط أريد شيئًا صغيرًا مفاجئًا .. أي شيء ..

كأن تقول لي نكتة في الصباح مثلاً و أنا أعدك أني لن أسكب قهوتك على الطاولة مجددًا و لن أخطأ في معيار المُبيض .. أعدك ..

من يجبرها ؟

رغبة الكتابة هذه العنيدة  تلاحقني منذ يومين و أنا أحاول أن أقمعها ، لكن يبدوا أنها أعنت ..

نحن لا نقمع إلّا عندما نخاف ، تمامًا كما تفعل الحكومات الجائرة عندما تخاف صوت الحق من رعاياها .. أنا أخاف أن تفضحني الكتابة !

أريد الستر على أفكاري التي ضعفت ، الحياة السريعة .. ال ١٤٠ حرفًا في تويتر ، المسئوليات و قائمة المهام ..

أي مسئوليات ؟ الحقيقة أن الروتين جعل من أموري المحببة مسؤوليات .. لم أعد أفرح بها كما كنت أفعل ، الأصدقاء لا تصلهم منّي  رسائل شكر ، المكالمات تقصر و تقصر ، حتى الشعور بالامتنان يخبوا ..  كنت أحتفي بعد كل منشط و أكتب لنفسي ملاحظة صغيرة و لأصدقائي و فريق العمل  رسالة أخرى ..

ما شأن الحياة السريعة بخوفي من الكتابة ؟

أنا أخاف من الأفكار المبتورة !

و الحياة السريعة لا تبتر الأفكار فقط .. الحياة السريعة تجعلني أنسى أن أنفض مخدتي قبل أن أنام ، تجعلني أنهي الكتاب في يومٍ واحد بعد أن كان يأخذ مني شهرًا .. بعد أن كان يأخذ حقه من الاحتفاء صار بالكاد يأخذ حقه من القراءة .. حتى أني توقفت عن اللعب مع ندى ! لم أعد أقرأ لها قصصًا، لم تعد ترسم على يدي .. و لا أذكر أخر سورة لقنتها إياها .. صارت المسكينة تحضر ألعابها و تجلس فوق سريري تحاول أن تستميلني .. تغني ، تلعب ، تنادي : نينا نينا .. و أنا فوق كرسي المكتب .. بالكاد التفت : هششش ندّو ، بركز !

 

لا أدري ما زبدة القول الذي أريد أرمي إليه ! ألم أقل أن أفكاري بُترت ؟

 

في رأسها بئر ..

جائتني تحرض فيني الأحلام القديمة ، تعيد الكلام مرتين عل العند في رأسي يلين  .. وتمدحني .. أجاريها وأمدحني أنا أيضًا .. وأباهي وأذكي الكِبَر في نفسي .. 
تنطرب ، تظن أنّها أذكت الحلمُ كما أذكت الكبرَ .. لكنّي أعود وألقيه في حجرها .. وأمدحها وأعيد لها الكرّة.. وأُطربها .. لكنها أذكى ! 
ما انساقت إلى المدح .. 
ما انطربت وما مالت عن حلمها الأصلي .. و ما باحت ! 
في رأسها كوكبٌ و أمالٌ لا ينضجها إلّا نار فطنتها ! 
في رأسها شيءٌ كما الشيب الذي يستره صبغها البني ! 
في رأسها مالا أفهمه .. لا بل أفهمه ولكنّي أنبهرُ .. رأسها بئرٌ .. والحاجبان فمها .. وفمها سرجٌ ولسانها حصانٌ حصيف.. لا يسرع العدو .. الّا نهاية المضمار !
وما استتر يا أصحاب أكبر مما بان ! 

يا عامي الأوفر حظًا ..

أؤمن تمامًا أن الفرص الكبيرة تختبئ خلف الأبواب العادية جدًا ، الأبواب التي لا توحي لنا بأهمية كبيرة .. هذا الإيمان يجعلني أنقض العهود التي أقطعها على نفسي .. عندما أعدها أنّي سأسلك طريقًا فينفرج بابٌ على اليمين يظهر منه نورٌ ضئيل ، ينسيني الطريق إلى الأمام فأعود وأتيامن و أندس من فرجة النور الصغير !

النور الصغير يمكن أن يكون مكالمة تأتيك عندما تكون للتو فرغت من خطة السنة القادمة ، استشرت فيها والدتك ، وقررت أنك لن تشارك في أي عملٍ أو منشط أو أمرٍ يلهيك عن خطتك الجديدة .. لكن المكالمة تعرض عليك أمرًا جديدًا ، وما رأيك لو شاركتنا في ….؟ أمرًا ما كان على الحسبان في الخطة ..

ربما يكون النور الصغير شخصًا أحضر كوب قهوته وجلس بجوارك يريد أن يفتح حديثًا ، و أنت كنت تريد أن تختلي وتقرأ كتابًا ..

 أو لعل النور الصغير خيال فكرةٍ صرفك عن عملٍ بين يديك ..

 لكن ما السبيل للتفريق ما إذا كان هذا النور دليلاً وفرصة أو مجرد أكلٍ للوقت يحب أن لا نرضخ لفتنته ؟ لا أدري ، لكنَّ شخصًا فوضويًا لن يفكر كثيرًا .. سيفتح الأبواب ويجرب ! ربما يخلط الحابل بالنابل والغث بالسمين ويقولب وقته ويفقد الإحساس بالأولويات .. لمجرد أنه يريد أن يجرب ! للمرة الأولى أشعر بامتنان لفوضى الخطط ! السنة الماضية كانت ممرًا سحريًا مليئًا بالأبواب ..كانت فرصة تلو فرصة ، نورًا تلو نور .. أهكذا يفترض أن يكون العام التاسع عشر في حياة الجميع.. عام الفرص ؟ إذا كيف يفترض أن يكون العام العشرون ؟

شكرًا يا عامي الأوفر حظًا .. حمدًا من قبل ومن بعد يا الله .

إنكسار ..

مرّ على أخر مرة رأيته فيها ثلاثة أيام ، لستُ خائفة عليه من أن يقع في متاهات الليل و الاستراحات التي أسمع عنها من نساء الحي .. لا لأنه جيدٌ معصوم لكن لأن حلمه يُعميه عن كل مافي هذه الدنيا ..عن ابن الجيران الذي يترصدني كل ظهر عند الباب .. عن شبه السقف فوق رؤوسنا .. وعن أمي التي تتهالك كل يوم مثل هذا البيت .. بينها وبينه علاقة طردية كلما ازدادت الجدران شقًا ظهر مثله على جسدها ووجهها الذي لا يليق أبدًا بإمرأة سمراء بالكاد انتصفت في أربعينها .. تلم بضاعتها كل عصر .. ثلاجة العصير والحلوى وأكياس البطاطس التي يوشك تاريخها على الإنتهاء ثم الشراريب و”البيز” وفي الشتاء تزدهر .. تأتي بالقفازات والشالات وشراريب الأطفال الشتوية ..ثم تبسطها على زقاق ضيّق في سوق قيظه لا ينقضي بإنقضاء النهار .
في البيت ومنذ أن أكل السكري أبي تخلت عن الحناء على أظافرها وفي باطن كفها الذي كان زينتها الوحيدة أيام حياته .. وباتت لا تنتظر شيئًا سوى الليل يجيء بأخي بثوبة المسود من شحم وزيت السيارات عائدًا من عند خردته التي يسميها حبيبته .. خردته هذه هي كل ما يملكه هي الحلم والمال والحبيبة .. يصمد المئة ريال التي تأتيه من أمي كل شهر ويقبل أن يعمل أي شيء ، يكون بديلاً لميكانيكي المحطة عندما يغيب ، أو حمالاً في سوق الخضار وربما روث الحيوانات .. المهم أنه سيقبض مالاً يصرفه على سيارته وتجاربه عليها .. أخي الذي تجاوز العشرين بخمس لا زال يظن أنه سيصبح سائقًا محترفًا وسيفوز في راليات العالم يومًا ما !
تنتظره وما إن يقبل تصرخ فيه : “وينك ؟ أطول منّي ولسى أصرف عليك ؟ ” .. تتدارك غضبها ، تبتلع حسرتها وتسأله بكل إنكسار العالم : تعشيّت؟

منضدة ..

 

هذه العلبة تأكلني .. أكوام الملابس على طرف السرير تمنعني حتى من أمد قدمي جيدًا .. ستارتي النارية تأكل شمس الجمعة ..

والكتب التي تشكل جسدًا ينام بجانبي .. كتاب في التاريخ فاغر فاه ونائم على ظهره ..أخر جلده أسود وطويل .. طويل جدًا.. ورواية نائمة على بطنها .. كان يفترض أن تنام على المنضدة  على يساري المكان الطبيعي لها عند الناس الطبيعين .. مشكلة المنضدة أنها ميتة .. وتجعل كل ما فوقها يموت .. هذان الكوبان الفارغان مثلاً .. لا أذكر  متى وضعتهم .. ولا أذكر أخر مرة شربت القهوة ولا حتى أذكر أني انتبهت لهم على هذه المنضدة قبل الأن .. وكأنهما ضريحان لأثنين كان يكرههما الناس ،  كيس ورقي أبيض أظنه يُخفي داخله كتبًا ملونة لكنني لم أفتحه حتى الأن  ، ساعة ، وكريم أشتريته منذ قررت أنني سأراعي هذه الجلدة المظلومة التي تغطي وجهي .. أظنني أستعملته مرة أو مرتين فقط عندما كان ينام على يميني بجانب هاتفي وبقية البقية التي من زحمتها لا اسم لها .. منذ أن إنتقل إلى يساري لم أستعمله ونسيت القرار ومواعيد الطبيبة .. ألم أقل لكم .. هذه المنضدة مقبرة !

لا أفهم هذه الرغبة العارمة للكتابة التي تجتاحني الأن .. تجتاحني تجعل قلبي يدفق الدم إلى أصابعي بسرعة فترتجف وتختطيء في نقر الحروف على لوحة المفاتيح .. تجتاحني فتجعلني أتمرد على خطة هذه الجمعة لا يفترض أن يكتب هذا الهراء الأن ، كان يفترض أن أكتب شيئًا .. شيئًا أسمى من أن أتحدث عنه في هذه الزخم الشعوري السخيف ..تجتاحني فأتمرد على المفكرة وأكتب في المدونة مباشرة .. متخطية كل القصص القصيرة والملاحظات التي تقول لي سارة أنني لابد أن أنشرها ، لكنني عوضًا عن ذلك أكتب شيئًا وأنشره وأنا أوقن تمامًا أنني سأندم على ذلك بعد ساعة .

سئمتم ؟

أنا لم أفعل .. ماذا هناك أيضًا كي يُفرغ هذه الطاقة سوى منضدتي .. امم

على فكرة أنا دائرية وتقاطعي متعرج ،بيان تقول أنني متعرجة جدًا ..لكن طوم لا تصدق ذلك .. طوم تقول أنني دائرية بكل ما لدائرية من معنى .. أما أنا فكنت أقول لسمية : أريد أصبح مربعة ! فقط كي أتخلص من هذه الفوضى على منضدتى وعلى يميني ومن تحتي وأينما تلفت في هذه العلبة ..ولا تسألوني عن معاني هذه الأشكال .. أسألوا نهى . على سيرة الأسئلة : كم يستغرق منكم البحث عن أقراطكم أو قلم الكحل في الصباح ؟

بدأت بالعبث بحواجبي .. هذا يعني أنني يجب أن أضع نقطة .. إلى اللقاء ، سأوي إلى الكهف .

 

ليس عندي هدف .. ولا أريد واحدًا ..

أحاول أن أجرب التفكير بصوت مسموع ، فقط.
 
 
 
مرحلة اليقين به
 
منظر المدربين ، شغفهم في الحديث وقفزهم من مكان إلى مكان بسرعة .. شهادة معتمدة في ال NLP وبقية أسماء الشهادات الرنانة .. ثم الناس المشدوهون مثلي يكتبون بسرعة يخافون أن يسقطوا كلمة من الدرر التي يقولها المدرب الذي يقفز أمامهم ويجعلهم يخرجون من عنده يرددون : نحن أسعد البشر .. نحن أعظم البشر .
كل هذه الأمور اجتمعت وأذهلتني فقررت أنني سأكون مدربة … سأغير كل الأشياء السيئة في الدنيا وسأجعل العالم أفضل .. وصار غايتي في الحياة وأكثر ما أفكر به وأقرأ وأشير على إعلانته في الجرائد وأعد نفسي أنني فقط سأنتظر حتى أتخرج من المدرسة وسأنال هذه الدورات والشهادات جميعها. 
امم .. بدأ هذا قبل ست سنوات .. قياسًا للمركز الذي أجّج عندي هذه الرغبة التي أظنها ولدت قبله قليلاً .. المركز كان عبارة عن مركزٍ للموهبين وأنا أبصم بأصابعي العشرة أنني لست منهم ليس تواضعًا أو ما شابه لكن مقارنة بمخرجاتي الضحلة .. لم أخرج من ذاك المركز بأي إختراع أو بحث كما فعل أغلب الموهوبات .. كل ما خرجت به كتاب ” متعة الحديث ” وحماس “درة ” التي دلتني عليه ومنظر مها وهي تكتب الشعر وتلقيه ومجموعة من صداقات جديدة .. أما من أطلق في رغبة تعلم علوم تطوير الذات كان : د.جواهر .. رغم أنها كانت تحضر ماجستير في الفيزياء ذلك الوقت وكانت تعطينا مادة فيزيائية بسيطة إلا أن تأثيرها العميق فينا تعدّى هذه المادة ، والحكايا التي أخبرتنا إياها في ذلك الوقت لا زلت أرويها ..  ما بالي أستطرد كثيرًا ؟ 
المهم أنه كان لها بجانب موهبتها البارعة و سجيتها المحببة جدًا .. علمٌ جيدٌ في تطوير الذات والإيحاء .. فتأثرت بها .. وقبلها تأثرت بأشرطة د.الرفاعي في الإيحاء .. وبعدها جاءت مرحلة كتب إبراهيم الفقي ومريد كلاب  والنادي وغراس ومعلماته والدورات فيه ونشاط الفسحة الصغير في المدرسة الذي نجتمع فيه .. وتدور الدائرة على كل وحدة منا فتتحدث بأي أمرٍ تشتهيه وتظنه نافعًا .. عندما يحين دوري وقبل أن أتحدث حتى يعرف الجميع ماذا سأقول .. بالتأكيد إما عن الإيجابية أو الأحلام وبالتأكيد المحتوى كان من أحد كتب تطوير الذات . 
 
 
 
 
مرحلة تبدده : 
لا يبدد السراب إلا الإقتراب منه .. في أخر سنة في الثانوية ضعفت ثقتي بهذا العلم .. ليس لضعفه بذاته ولكن لضعف بعض ملقنيه .. مرة جاء شاب صغير على قناة ما وكان يتكلم وكأنه المدرب الأفضل في هذا العالم .. يتحدث عن الخطوات التي يصبح بها المرء “ثريًا” ..  
أثناء حديثه أطلقت أمي تعليقها : ” طيب ليه هو ما طبق هالكلام وصار غني ؟” 
هذا التعليق الصغير جدًا كسر شيئًا في نفسي .. كسر جناحًا ما كان اكتمل ريشه أصلاً .
التخلي عن الحلم وردة الفعل العكسية تجاه أي كتاب أو دورة من هذا النوع -التي تلازمني حتى الأن -.. جعلني أدرك أنني ما كنت صادقة فعلاً .. مجرد بحث عن أي شيء يجيب على السؤال المحرج المكرور: ما هدفك ؟
حسنًا .. لا أتقن الرسم حتى أقول أن هدفي أن أصبح فنانة مثلاً ..و إخفاقاتي العلمية كثيرة فبالتأكيد ليس منطقيًا أن يكون هدفي أن أصبح عالمة .. ولا أكتب الشعر أو أتقن النثر حتى أجيب سأصير أديبة .. ولا ولا ولا …. ، ف كمراهقة في المتوسط لا تملك أي مواهب تملأ فراغ الأسئلة كان كلمة ” مدربة محترفة”  هي الإجابة السحرية السهلة .
 
 
 
 
الحرية منه :
التحرر من الفكرة وسّع عينيّ على الدنيا حرضني لطرق الأبواب ، وجرأني  على أشياء كنت أتجنبها . 
 
 
 
الخلاصة :
إن لم تنفع معك المعادلة المستهلكة التي تقول   “إبحث عن مواهبك ثم إستثمرها ” 
إقلب العبارة لا بأس .. إستثمر نفسك أولاً .. أطلق سراحها وخجلها واجعلها ترقص في كل ميدان و تثور وتسقط سبع مرات لتقف ثمانية”* .. صدقني عندها سيمنحك الله مالم يخطر لك على حلم وستفتح لك الأبواب ربما ليس على مصراعيها لكنها ستفتح .. لأنه قال جل في علاه ” إني جاعلٌ في الأرض خليفة” ..و لأنك أردت الخلافة وتأدية الأمانة  بصدق فالله أكرم من أن يحرمك إياها .
 
 
 
* مثلٌ يابانيٌ اقتبسته أحلام في كتابها النسيان .

كالشيب ..

*

ككل يوم منذ أول يوم عزاء .. تعود من الجامعة الى شقته مباشرة .. تخاف على بيته وقلبه أن يتصحر من دون أنثى تراعيه.. اتجهت إلى المجلى لتجد ذات الأواني التي نهرها بالأمس أن لا تغسلهم لأنه هو سيفعل ذلك بنفسه ، لكنه لم يفعل .. كان يأتي ويروح وتسمعه يصرخ : سأقتلع هذا الرخام الوردي المترف الذي اختارته لمى .. وسأستبدله بخشبٍ رخيصٍ غامقٍ لا يذكرني بها .. حتى لوحتها هذه لا حاجة لي بها سأعطيها لأي متشرد .. كان واضحًا من صوته أنه يكابر نوبة بكاء لا يريد أن تخدش رجولته أمام أخته الصغرى ..
مسحت الصابون على يديها بمريلتها واتجهت إليه .. وضعت اصبعيها النحيلين على صدره وقالت : هي هنا .. كهذا الشيب في رأسك .. مهما حاولت الهروب منه وتلوينه والعبث به .. سيظل متجذرًا في رأسك .. صدقني يا عمر هم يسكنون أرواحنا لا أشيائهم .
ضحك وغمز لها : يا فيلسوفه .

لا أحد من بلاستيك , الجميع من طين ..

.
.
أربعينة ، مستدقة الدقن ، وشعرها أحمر ملفوف لا تكاد ترى فيه أي تمرد .. ولا حتى شعرة واحده .. كأنه هو الأخر يخاف من صرامتها .. ” المرأة البلاستيكية ” هكذا يلقبها مرؤسوها ورئيسها في العمل أيضًا.. سبب التسمية جلي .. هي لا تبكي حزنًا او فرحًا أو حتى غضبًا لا تقفز لا تعقد حاجيبهالا تصرخ .. نصف ابتسامة مائلة هو تعبيرها اليتيم وقت الفرح الذي ينحصر عندها في ” النجاح ” و وقت الحزن الذي ينحصر عندها في ” الفشل ” .
الجميع كان يستغرب أين تذهب بكم التوتر الذي يولده العمل لعشر ساعات في اليوم ! 
متنفسها الوحيد نوعية معينة وقديمة من شامبو الشعر .. شامبو البنفسج تعويذتها الذي تقول أنه بسحره يستطيع أن يُرخي كل عضلة فيها .. لكن زوجها كان يكره رائحته لدرجة تجعله يغادر المكان .. ظلت تشتريه و تحتفظ به للأيام السيئة التي لا تكترث فيها حتى لزوجها ، 
اليوم كان إحداها .. دخلت البيت بذات الخطوات المتزنة .. ارسلت للخادمة ذات الابتسامة المائلة .. أخرجت الشامبو من درج التسريحة الأخير ..وأخذت تستحم حتى أنهت ما يزيد على نصف العلبة .. كان زوجها على السرير يقرأ جريدة الأحد الماضي .. ظلت واقفة تنتظر منه أن يأخذ والوسادة والغطاء ويخرج لينام في الصالة كما يفعل كل مرة تستخدم هذا النوع .. لكنها تفاجأت أنه ظل في مكانه .. أعاد الجريدة ، طلب منها أن تغلق النور ووضع رأسه .. اضجعت هي الأخرى وابتسمت بمليء مافيها كانت تقول لنفسها .. إنه قلق .. قلق علي .
التفت اليه .. سألته : جمال .. ما بك ؟
نهض بقوة وكأنه كان ينتظرها أن تحركه .. بدأ يشتم ويلعن ويذكر أسماءً لم تميزها .. كانت تمتص غضبه بإيمائتها المتكررة .. وتربت على ركبته كأنه طفلها .. أخرج كل مافيه ثم هدأ .. تغير وجهه فجأة : جليلة كم مرة قلت لكِ لا أحب هذه الرائحة ؟!.. جر الغطاء وخرج .. تركها بعينين متسعتين وقلبٍ ينتظره أن يسألها :وأنتِ ؟
أن يسألها فقط .